بشر بن عوانة العبدي
جواهرالماس سبائــــــــــــك النضار°°°صفو الكـــــــــلام طرائف الأشعار
ليس من الحـــــــــكمة الحكم مسبقا °°° اجــــعل دلائلك نتــاج الاختــــــبار
ترى الشخص مهذارا تظــــن بأنه°°°كفيل بخــــــــــــوض نوازل الأخطار
ويخيــــــــب ظنك لما ذاك تبــتلي°°°ذاك الحســـــــيس من ذلك الصرصار
وترى المهادن والخلوق فتـــــحكم°°°إن الهــــــــدوء عـــــــــــلامةالإدبــار
ولو يقدر أن تشــــــــهد تجاربـهم°°°سترى الحقائق تعـــــــــــــج بالأســرار
لا تأمـن النهرالذي يبـدولك ساكتا°°° فلك الســـــــــلام في غيره الهـــرهــار
فالأول امتلأ تمــــــــاسك مــاؤه°°°وأما الأخـير فالصـــــوت في الأحــــجار
وخلاصة القول أن الحكم على الشخص أو الجماعة لا يصح أن يعتمد على المظاهر والتصرفات والألقاب . بل على المعاناة والتمحيص والاختبار في المواقف التي تبين وتفرز الغث من السمين، والمعدن النقي من المزيف وهو ما سأقدمه في قالب مثال من تراثنا الأدبي والاجتماعي يروى في شكل قصة.
بشر بن عوانة العبدي ، يقال أنه أحد الصعاليك العرب، وهو حكم مسبق أصدره من هم محتكون بظاهره ولم يختبروا باطنه،ولعل في كلمات جبران خليل جبران تعبير عن حالة بشر حيث قال : ( ألا ليست الوقاحة المبهرجة بشجاعة ولا الخجل الصامت بجبانة ) بذلك ظن البعض أن بشرا لا يعتمد عليه. اختلفت الروايات حول قصة بشر وتعقيد وتعسير أحداثها، حتى أن بعض الروايات شككت في وجوده أصلا، واعتبرت أن الأثر الأدبي مختلق ومولد من الحكايات الشعبية التي تروى للتفكه. وفي هذه النفحة سأعتمد أحداث القصة التي أراها مقبولة ومعقولة. بشر الفقير المحكوم عليه ظلما بعدم الأهلية للقوامة، ولما كان في داخله واثقا من نفسه،مسفها الأحكام التي أصدرها في حقه نفر من محيطه،بشر طلب ابنة عمه فاطمة فاشترط عليه عمه أن يأتيه برأس الأسد الذي اتخذ من الغابة القريبة من مضارب القوم عرينا،وظل يهدد كل من يمر بتلك المفازة المخوفة،وكان الهدف إما أن يهلك بشرا ويتخلص من تبعات رفضه،أو ينجز المهمة وبذلك يشرّف عمه ، ويكون أهلا لمصاهرته ، ويسكت الأفواه المتشدقة ويصحح الأحكام الصادرة إذا كانت جائرة وغير مؤسسة. وقبل بشر وانتظر الجميع انكشاف الغبار عن المغامرة.
أصيب القوم بالذهول لما أقبل بشر ملطخا بالدماء وهو يحمل رأس الأسد بيمينه حيث تبدو عليه أخر تكشيرة أفترت عن أنياب تخالها الخناجر وسيفه مشهرا بيساره.كان مزهوا وهو يشاهد مستقبليه، قائلا في سره هذا هو بشر الذي كنتم تشككون في أهليته ورباطة جأشه و بذلك وضع بشر عمه أمام الأمر الواقع ،لكن العم وبحكمته التي أثبت بها أنه فعلا صاحب عقل وفكر،رغم أن البعض اعتبر المطلب التالي تعسيرا، إلا أنه أراد أن يبين للجميع أن بشرا إضافة إلى مهارته في استعمال السيف لابد أيضا ان تكون له مهارة في القريض واستعمال القلم بذكاء وحكمة، وهو مقياس الفطنة والفحولة والفصاحة عند العرب .طلب العم من بشر كشرط ثان أن يلقي قصيدة يحكي فيها أحداث اللقاء مع الأسد
وكانت قصيدة بشر بن عوانة العبدي التي أبدع فيها الوصف وقوة اللغة وسداد الفكرة والتعبير عنها: وهذه قصيدة بشر التي أتمت المهر وجعلته جديرا بفاطمة.
أفاطم لو شهدت ببطن خـبت °وقد لاقى الهزبر أخاك بشـرا
إذن لـرأيـت ليـثا أم ليثـــــــا °هزبـرا أغلبـا لاقــــــى هزبرا
تبهنس إذ تقاعس عنه مهري° محاذرة فقلت عقـرت مــهرا
أنل قدمي ظـهر الأرض إني°رأيت الأرض أثبت منك ظهرا
وقلت له وقد أبـدى نصـــالاً °محـددة ووجـــــــهـا مكـفـهرا
يـدل بمخلـب وبحـد نـــــــاب° وباللحـظات تحسبهن جمــرا
ففـيم تروم مثـلى أن يــــولى °ويجعل في يديك النفس قسـرا
وقلبي مثل قلبك ليـس يخشى°مصـــاولة فكيف يخاف ذعـرا
وأنت تروم للأشبال قـــــوتـاً° وأطلب لابنـة الأعمـــام مهرا
نصحتك فالتمس ياليث غيري° طعامـاً إن لحـــمي كان مـرا
فلمــا ظن أن الغش نصــحي° وخالفنـي كأنيّ قلـــــت هجرا
مشى ومشيت من أسدين راما° مــرامـاً كان إذ طلباه وعـرا
هززت له الحسام فخلت أنـي° سللت به لـدى الظلمـاء فجرا
وأطلقـت المهـند من يميـــني° فقـد لـه من الأضــلاع عشرا
فخر مجنـدلاً بــــدم كــــــأني° هدمـــت بـه بنــاء مشمــخرًّا
وقلــت لـه يعــــز علــي أنـي°قـتلت مناســبي جلـــداً وفخرا
ولكـن رمت شيئاً لـم يـرمه °سواك فلـم أطق يا ليث صـبرا
تحاول أن تعلمــني فــراراً ° لعـمر أبيـــك قــد حاولت نكرا
فلا تجزع فقـد لاقـيت حراً ° يحاذر أن يعـاب فمـــــتّ حرا
°°°°°°°°
وهكذا اكتملت الصورة ،صورة الإنسان الهادئ الواثق من نفسه ،الذي يدخر قوته وعزمه وشدته في جنانه وقلبه لوقت الحاجة،ويعبر عنها بلسانه فقط عند اللزوم.
وللمقاربة :في زماننا أنظمة برؤوسها وأذرعها وذيولها، ترى شعوبها قطعانا من السائمة توجهها حسب هواها، تستغلها تجزُّ صوفها ووبرها وشعرها وتعريها ،تذبحها وتسلخ جلدها وتجوعها،وتظن أنها روضتها واستغفلتها،لكنها تفاجأ بتلك القطعان التي ظنت أنها عجول وجديان وأرانب وخرفان، وعلى غير ما كانت تتصور تقف مشدوهة لما ترى أن تلك الجموع تحولت إلى سباع وأسود ونمور وفهود أمواج هادرة تنادي الغاصبين وتعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور تقتحم الأسوار، وعزمها من الزمر الفاسدة تطهير الديار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
أحمد المقراني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجلة فرسان الكلمات للأدب والشعر: ------------شكوي------------ تمت بحمد الله اليوم ا...